سورة الروم - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الروم)


        


هذا تنبيه لقريش وأمر لهم بالاعتبار فيمن سلف من الأمم وفي سوء عواقبهم بكفرهم وإشراكهم، ثم أمر تعالى نبيه عليه السلام بإقامة وجهه، والمعنى اجعل قصدك ومسعاك للدين أي لطريقه ولأعماله واعتقاداته، و{القيم} أصله قيوم اجتمعت الواو والياء وسبقت الياء وهي ساكنة فأبدلت الواو ياء وأدغمت الأولى في الثانية، ثم حذره تعالى من يوم القيامة تحذيراً يعم العالم وإياهم القصد، و{لا مرد له} معناه ليس فيه رجوع لعمل ولا لرغبة ولا عنه مدخل، ويحتمل أن يريد لا يرده راد حتى لا يقع وهذا ظاهر بحسب اللفظ، و{يصدعون} معناه يتفرقون بعد جمعهم، وهذا هو التصدع والمعنى يتفرقون إلى الجنة وإلى النار، ثم قسم الفريقين بأحكام تلحقهم من أعمال في الدنيا ثم عبر عن الكفر ب عليه وهي تعطي الثقل والمشقة وعن العمل الصالح باللام التي هي كلام الملك، و{يمهدون} معناه يوطئون ويهيئون وهي استعارة منقولة من الفرش ونحوها إلى الأحوال والمراتب، وقال مجاهد: هذا التمهيد هو للقبر.


اللام في قوله {ليجزي} متعلقة ب {يصدعون} [الروم: 43]، ويجوز أن تكون متعلقة بمحذوف تقديره ذلك أو فعل ذلك {ليجزي} وتكون الإشارة إلى ما تقرر من قوله تعالى {من كفر} [الروم: 43] {وعمل صالحاً} [الروم: 43]، وقوله تعالى، {لا يحب الكافرين} ليس الحب بمعنى الإرادة ولكنه بمعنى لا يظهر عليهم أمارات رحمته ولا يرضاه لهم ديناً ونحو هذا، ثم ذكر تعالى من آياته أشياء يقضي كل عقل بأنها لا مشاركة للأوثان فيها وهو ما في الريح من المنافع وذلك أنها بشرى بالمطر، ويذيق الله بها المطر ويلقح بها الشجر وغير ذلك ويجري بها السفن في البحر ويبتغي الناس بها فضل الله في التجارات في البحر وفي ذرو الأطعمة وغير ذلك، ثم أنس محمداً بأن ضرب له مثل من أرسل من الأنبياء، وتوعد قريشاً بأن ضرب لهم مثل من هلك من الأمم الذين أجرموا وكذبوا الأنبياء، ثم وعد محمداً وأمته النصر إذ أخبر أنه جعله {حقاً} عليه تبارك وتعالى، و{حقاً} خبر {كان} قدمه اهتماماً لأنه موضع فائدة الجملة، وبعض القراء في هذه الآية وقف على قوله {حقاً} وجعله من الكلام المتقدم ثم استأنف جملة من قوله {علينا نصر المؤمنين}، وهذا قول ضعيف لأنه لم يدر قدماً عرضه في نظم الآية.


الإثارة تحريكها من سكونها وتسييرها، وبسطه {في السماء} هو نشره في الآفاق، والكسف القطع، وقرأ جمهور القراء {كسفاً} بفتح السين، وقرأ ابن عباس {كسفاً} بسكون السين وهي قراءة الحسن وأبي جعفر والأعرج وهما بناءان للجمع كما يقال وسدْر بسكون الدال بفتح الدال وسدَر بفتح الدال، وقال مكي: من أسكن السين فمعناه يجعل السحاب قطعة واحدة، و{الودق} الماء يمطر ومنه قول الشاعر: [المتقارب]
فلا مزنة ودقت ودقها *** ولا أرض أبقل إبقالها
و {خلاله} الفطور الذي بين بعضه وبعض لأنه متخلخل الأجزاء، وقرأ الجمهور {من خِلاله} بكسر الخاء وألف بعد اللام جمع خلل كجبل وجبال، وقرأ علي بن أبي طالب وابن عباس والضحاك والحسن بخلاف عنه {من خلله} وهم اسم جنس، والضمير في {خلاله} يحتمل أن يعود على السحاب ويحتمل أن يعود على الكسف في قراءة من قرأ بسكون السين، وذكر الضمير مراعاة اللفظ لا لمعنى الجمع، كما تقول هذا تمر جيد ومن الشجر الأخضر من ناراً، ومن قرأ {كسَفاً} بفتح السين فلا يعيد الضمير إلا على السحاب فقط، وقوله تعالى: {من قبله} تأكيد أفاد سرعة تقلب قلوب البشر من الإبلاس إلى الاستبشار وذلك أن قوله {من قبل أن ينزل عليهم} يحتمل الفسحة في الزمان أي من قبل بكثير كالأيام ونحوه فجاء قوله {من قبله} بمعنى أن ذلك متصل بالمطر فهو تأكيد مفيد، وقرأ يعقوب وعيسى وأبو عمرو بخلاف عنه {ينزل} مخففة، وقرأت عامة القراء بالتثقيل في الزاي، وقرأ ابن مسعود عليهم {لمبلسين} بسقوط {من قبله} والإبلاس الكون في حال سوء مع اليأس من زوالها، ثم عجبه يراد بها جميع الناس من أجل رحمة الله وهي المطر، وقرأ أبن كثير ونافع وأبو عمرو أثر بالإفراد، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي {آثار} بالجمع، واختلف عن عاصم، وقرأ سالم {إلى إثْر} بكسر الهمزة وسكون الثاء، وقوله {كيف يحيي} يحتمل أن يكون الضمير الذي في الفعل للأثر، ويحتمل أن يكون لله تعالى وهو أظهر، وقرأت فرقة {كيف تحيى} بالتاء المفتوحة الأرضُ بالرفع، وقرأ الجحدري وابن السميفع وأبو حيوة تُحيي بتاء مضمومة على أن إسناد الفعل إلى ضمير الرحمة الأرض نصباً، قال أبو الفتح: قوله {كيف تحيى} جملة منصوبة الموضع على الحال حملاً على المعنى كأنه قال محيية، وهذه الحياة والموت استعارة في القحط والإعشاب، ثم أخبر تعالى على جهة القياس والتنبيه عليه بالبعث والنشور، وقوله {على كل شيء} عموم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6